سورة النور - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{يَغُضُّوا}: من أبصار الظواهر عن المُحَرَّمات، ومن أبصار القلوب عن الفِكَرِ الرَّدِيّة، ومن تصورُّ الغائبات عن المعاينة، ولقد قالوا: إنَّ العينَ سببُ الحَيْن، وفي معناه أنشدوا:
وأنتَ إذا أرسلتَ طَرْفَك رائداً *** لقلبِك- يوماً- أتْعَبَتْكَ المناظرُ.
وقالوا: مَنْ أرسل طَرْفَه اقتضى حَتْفَه.
وإن النظرَ إلى الأشياء بالبَصَرِ يوجِبُ تَفْرِقَةَ القلوب.
ويقال إن العدوَّ إبليسَ يقول: قومي القديمُ وسهمي الذي لا يخطئ النظرُ. وأرباب المجاهدات إذا أرادوا صَوْنَ قلوبهم عن الخواطر الردية لم ينظروا إلى المحَسَّات- وهذا أصلٌ كبيرٌ لهم في المجاهدة في أحوال الرياضة.
ويقال قَرَنَ اللَّهُ النهي عن النظر إلى المحارم بذكر حفظ الفَرْجِ فقال: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} تنبيهاً على عِظَمِ خَطَرِ النظر؛ فإنه يدعو إلى الإقدام على الفعل.
ويقال قومٌ لا ينظرون إلى الدنيا وهم الزُّهَّاد، وقومٌ لا ينظرون إلى الكون وهم أهل العرفان، وقومٌ أهل الحفاظ والهيبة كما لا ينظرون بقلوبهم إلى الأغيار لا يرون نفوسهم أهلاً للشهود، ثم الحق- سبحانه- يكاشفهم من غير اختيارٍ منهم أو تعرُّضٍ أو تكلف.


قوله جل ذكره: {وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}.
المطالبةُ عليهن كالمطالبة على الرجال لشمولِ التكليف للجنسين، فالواجبُ عليهن تركُ المحظوراتِ، والندبُ والنَّفْلُ لهن صونُ القلب عن الشواغل والخواطر الردية، ثم إنِ ارتّقَيْنَ عن هذه الحالة فالتعامي بقلوبهن عن غيرِ المعبود، والله يختص برحمته من يشاء.
قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِيْنَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: ما أباح الله- سبحانه- على بيان مسائل الفقه فمُستثنى من الحظرِ، وما وراء ذلك فالواجبُ عليهن حفظُ أنفسهن عن العقوبات في الآجل، والتصاون عن أن يكون سبباً لفتنة قلوب عباده. والله سبحانه يتصل منهم نفعٌ بالخَلْقِ فلا تصيبُ أحداً بهم فتنةٌ.
وفي الجملةِ ما فيه زينة العبد لا يجوز إظهاره؛ فكما أنَّ لِلنساءِ عورةً ولا يجوز لهن إبداء زينتهن فكذلك مَنْ ظهر للخَلْق ما هو زينة سرائره من صفاء أحواله وزكاء أعماله انقلب زَيْنُه شَيْئاً إلا ظهر على أحدٍ شيءٌ- لا بتعمله ولا بتكلُّفه- فذلك مستثنىً لأنه غير مُؤاخذٍ بما لم يكن بتصرفه وتكلفه، فذوات المحارم على تفصيل بيان الشريعة يُسْتَثْنَى حُكْمُهن عن الحَظُر.
قوله جل ذكره: {أَوِ التَّابِعِينَ غِيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَأتِ النِّسَاءِ}.
تُراعى في جميع ذلك آدابُ الشرع في الإباحة والحظر.
قوله جل ذكره: {وَتُوبُوا إِلّى اللَّهِ جميعاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
التوبةُ الرجوعُ عن المذموماتِ من الأفعال إلى أضدادها المحمودة، وجميع المؤمنين مأمورون بالتوبة، فتوبةٌ عن الزَّلَّةِ وهي توبة العوام، وتوبة عن الغفلة وهي توبة الخواص.... وتوبةٌ على محاذرة العقوبة، وتوبةٌ على ملاحظة الأمر.
ويقال أمَر الكافة بالتوبةِ؛ العاصين بالرجوع إلى الطاعة من المعصية، والمطيعين من رؤية الطاعة إلى رؤية لاتوفيق، وخاصَّ الخاصِّ من رؤية التوفيق إلى مشاهدة الموفِّق.
ويقال مساعدة الأقوياء مع الضعفاء- رِفْقاً بهم- من أمارات الكَرَمِ.
ويقال في قوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يتبين أنَّه أمَرَهم بالتوبة لينتفعوا هم بذلك، لا ليكون للحقِّ- سبحانه- بتوبتهم وطاعتهم تجمُّلٌ.
ويقال أحوجُ الناس إلى التوبة مَنْ تَوَهَّمَ أنَّه ليس يحتاج إلى التوبة.


إذا كان القصدُ في المناكحة التأدب بآداب الشرع يكفي الله ببركاته مطالبات النفس والطبع، وإنما يجب أن يكون القصدُ إلى التعفُّفِ ثم رجاءِ نسْلٍ يقوم بحقِّ الله.
قوله: {إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} يُغْنِيهمُ اللَّهُ في الحال، أولاً بالنفس ثم غِنَى القلب؛ وغنيُّ القلبِ غَنِي عن الشيء، فالغَنِيَ عن الدنيا أتَمُّ من الغني بالدنيا. ويقال إن يكونوا فقراء في الحال يُغْنِهم الله في المستأنف والمآل.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12